The Urban Guru Website


The Spring of the Arab Peoples (in Arabic)

13/12/2011 00:00

الربيع العربي

 

تساقط الطغاة والمستبدون العرب كالذباب ، فقد شهدنا فرار البعض (بن علي)، وتردد البعض الآخر (مبارك)، واختيار آخرين للموت (القذافي)، مقابل سعي البعض للخداع (صالح)، أو البقاء في الظلام (الأسد). إن الشارع العربي قد بات في حراك مستمر، من الدار البيضاء إلى الجزائر، مروراً بالمنامة، وعمان أوبغداد. ذلك الشارع سيحتفل بالعيد الأول للربيع العربي [1] وهومليئاً بالألم ومخضباً بالدماء.

إن البائع المتجول، محمد البوعزيزي ، الذي رفض في صبيحة أحد الأيام المشمسة من شهر ديسمبر / كانون الأول عام 2010 القمع ومنح حياته في سبيل الكرامة، سيبقى إلى الأبد الشرارة التي أشعلت النار في السهل. دقت إذن ساعة الثورات العربية.  هذه الثورات المتعددة الأوجه أدت إلى نشوء جميع أنواع التحليلات والتنبؤات الممزوجة بالشكوك وعدم اليقين من التطورات التي ستحصل في المستقبل. لا أحد يعلم الى أين سينتهي المطاف بها، ولكننا نعلم من أين أتت. ولعل اعتماد النهج البنيوي / الماركسي، والذي لم يعد مواكبا للعصر، إلا أنه قد يساعدنا على تنظيم فهمنا وتحليلنا، فلذلك، دعونا نحاول رسم المعالم معاً.

الثورة الثقافية

إن الثورات الجارية تمثل ثورات ثقافية في المقام الأول، فهي ثورات تطالب بإرساء معايير الاحترام، والصدق، والشفافية، بالإضافة لمطالبتها برد الاعتبار للقيم المسحوقة من قبل الأنظمة الفاسدة. لقد باتت الأصوات تتعالى في كل مكان للمطالبة بالحرية الحقيقية للتعبير عن الرأي، وبحق التحدث علناً ضد الاعتقالات التعسفية. لقد أستعاد العرب حسهم بالأفتخار، وبالتعطش للحرية، وبالثقة بالنفس، وبالأصالة التي حرمهم إياها الغرب. كما يبدو هنالك فاصل غامض ، يتمثل في القمع الذي لطالما كان مخيباً للآمال المتعلقة في الاستقلال. هذا الفاصل بات في طريقه للانحسار.

الثورة الاقتصادية

لطالما تمت الإشارة إلى الصعوبات الاقتصادية باعتبارها القوام المادي الذي تقوم عليه شتى المظاهرات، حيث تشكل بطالة الشباب القضية الأبرز والتي تفوقت أيضاً على القضايا الأخرى المرتبطة بالقوة الشرائية، والظروف المعيشية والسكنية. وما من شك هنا بأن حالة الإحباط السائدة بين الشباب حديثي التخرج تمثل العنصر الأساسي وراء الثورات الحالية، وذلك في ظل عدم تمكن النصف من أولئك الشباب من العثور على وظائف تتناسب ومؤهلاتهم العلمية. لقد قرر أولئك الشباب، من مستخدمي الشبكة الإلكترونية وممن يتواصلون مع بعضهم البعض عبر الموقع الاجتماعي "الفيسبوك"، التمرد على الوضع الراهن مهما كلف الأمر، بحيث يتم طرد الحيتان المتشبثين في السلطة وإيجاد سبل جديدة بصرف النظر عن حجم المخاطر المحتملة. وفي ظل الوتيرة المتسارعة للعولمة، يدرك أولئك الشباب بأن مستقبلهم الاقتصادي سوف يتطلب المزيد من الكفاح الصعب وتقديم تضحيات جديدة. إضافة لذلك، فهم يدركون أيضاً بأن موارد بلدانهم ستبقى تشكل مصدر شهوة، فضلاً عن مواصلة تأثير التدخل الخارجي على مصيرهم، مثلما شهدنا ماحدث على السواحل  الليبية.

الثورة الاجتماعية

إن الأنظمة العربية تشترك بالسلطوية وبرأس المال القبلي (العشائري)، وبالتحالف القائم بين نفوذ عسكري قوي وعائلات كبيرة من رجال الأعمال والمقربين من الدولة وقيادتها. من جهة أخرى، فقد عمل "الأخوان" على تقديم المساعدة لعامة الناس في المناطق الشعبية والأحياء السكنية، وذلك من خلال توفير الخدمات الأساسية وعبر إفصاح الناس عن ولائهم، كمجتمعات محلية، وعن تمسكهم بالقيم الإسلامية. وما بين هذين العنصرين (البرجوازية التي تجمع ما بين الثراء وشعب يثمن توفر العيادات الصحية والمدارس القرآنية)، فقد نشأت في العقود الأخيرة طبقة ثالثة ذات معدلات نمو أكثر من حيث العدد والتأثير: وهي طبقة المفكرين الحداثيين والمنفتحين على العالم الخارجي. كما ساهم التعليم في تغيير المعادلة، تماماً كمساهمته بذلك في دول أخرى في ربيع عام 1968، ومع وجود نفس الأعداء، فقد استحوذ الإسلاميون والحداثيون معاً على الساحة العامة، وذلك دون وجود أية إستراتيجية مكتملة غير استخدام شعار "أخرج"، والذي حظي بشعبية في فرنسا من خلال كتاب ستيفان هيسيل. لقد كان هذا الوضع قائماً في الماضي، ولا يزال كذلك حتى يومنا هذا، وهنا، فنحن نقف على عتبة الانطلاق لعملية جديدة.

ثورة سياسية

إن تحول الحركات الثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية إلى ثورة سياسية  كان على الدوام يشكل تحدياً.   فالثورة الفرنسية تطلبت 82 عاماُ قبل نشوء الجمهورية الثالثة (1789 – 1871 )، في حين استمرت الثورة الروسية 74 عاماً قبل أن تنتهي وتتفكك (1917 – 1991)، أما الثورة الصينية، فقد استمرت 43 عاماً حتى تحقيق الاستقرار (1935 – 1978)، فضلا عن أن جميع الثورات الحاصلة في دول العالم الثالث قد شهدت العديد من التقلبات.

إن الغرب يشجع العالم العربي لتبني نموذجه المتمثل في الديمقراطية التمثيلية والقائمة على أساس نظام الأغلبية والانتخابات الدورية، وقد لاحظنا انتقال تونس بالفعل لتبني هذا النهج. وخلافاً لمقولة تشرشل المعروفة  [2]، غير أنه لا يوجد ما يثبت بأن هذا هو الخيار "الأقل سوءاً" بالفعل.

أما النظام التركي والذي يقوم على مبدأ التوازن بين العلمانية العسكرية والاعتدال الإسلامي، فعادة ما يحظى بالصدارة وذلك لجودة أدائه من الناحية الاقتصادية. بيد أنه يتعين علينا الإدراك هنا بأن معظم الأنظمة الإسلامية (بالإضافة لتلك التي تقودها الديمقراطية المسيحية في مناطق أخرى) تعمل على تنفيذ سياسات الليبرالية الجديدة حيث يكون المال هو الحاكم، وحيث يكون السوق دون رحمة، وحتماً، فإن هذه السياسات لا تتمتع بأية جاذبية بالنسبة للثوار الشباب.

ويمكن للشعوب العربية البحث في تاريخها حيث يتسنى لها إيجاد أنظمة مناسبة لإدارة الشؤون العامة بحيث تتسم بالمزيد من الديمقراطية والتشاركية وبمستويات أقل من المواجهة، حيث يمكنهم على سبيل المثال إيجاد نماذج جديدة وعصرية وإبتداع مبدأ "الجماعة" ثانية في الحكم بحيث تكون مواكبة للقرن الحادي والعشرين. ولذلك، فإن الكرة قد أصبحت في ملعب المثقفين والمفكرين العرب، ممن يمكنهم، بل ويتعين عليهم، تقديم الابتكارات السياسية والمؤسسية المتأصلة في ثقافتهم، ووضعهم الاقتصادي، وتطلعاتهم الاجتماعية. ومثلما قال "ماو تسي دونغ" ذات مرة: "الثورة ليست دعوة على العشاء" – وبخاصة عندما يجوع الناس بحثاً عن الخبز والحرية.

انهضوا أيها المفكرون العرب، فالعشاء يمكن ان ينتظر...!

دانييل بيو

 

 



[1]  يشير مصطلح "الربيع العربي" إلى "ربيع الشعوب"، وهي حركة ديمقراطية أوروبية واسعة نشأت في عام 1848، و "ربيع براغ" الذي أعلن خلاله سقوط الإمبراطورية السوفياتية في عام 1968.

   2 إن الديمقراطية هي أسوء أنماط الحكم، بإستثناء أية أنماط أخرى 1947                                                                                

 

 

 

—————

Back